جــبـــران مـــن روّاد الـــحـــداثـــة
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
جــبـــران مـــن روّاد الـــحـــداثـــة
جــبـــران مـــن روّاد الـــحـــداثـــة
منقول من كتاب للكاتب فوزي معروف
جاء في مقال الدكتور مُحيي الدين صُبحي في تحية للشاعر القروي المنشورة في مجلة (الوحدة) العدد الثاني لشهر تشرين الثاني لعام 1984 ص 106- أن جبران نقل إلى الأدب العربي مرض العصر فابتلى أدبنا بالسوداوية والركاكة وسقط جبران في وحل الطائفية الإقليمية وأساء إلى الأدب من حيث كونه لم يتقيد بقواعد الأجناس الأدبية: الشعر المنثور، قصيدة النثر، القصة الشعرية ..."
والسطور التالية لا تمثل ردّاً على دكتور محيي الدين صبحي بقدر ما تكشف دور جبران في كونه أحد روّاد الحداثة في حياتنا الأدبية الفكرية: لم يكن لجبران خليل جبران الذي امتدت حياته حوالي ثمانية وأربعين عاماً من 1883 إلى 1931م لم يكن له فلسفة محددة الخطوط واضحة المعالم بقدر ما كانت الحياة عنده ثوره وتمرداً كما هي عند الفيلسوف الألماني ( نيتشه) لأن اضطراب الحياة العربية آنذاك من كافة النواحي لم يترك المجال أمام المبدعين ليرسموا معالم فلسفة واضحة أو كي يبدعوا فنّاً يحتاج إلى الاستقرار ... ولعل وجود هذا السبب هو الذي لم يمكن جبران من أن يصب أشواق روحه في روايات أو قصص قصيرة أو شعر .. وكأنه شعر أن أيّاً من فنون الأدب لا يستطيع استيعاب ثورته وتمرده .. لذلك مارس كتابة القصة القصيرة كما استطاع أن يفهمها في كتابين هما ( عرائس المروج ) و (الأرواح المتمردة) ضمنّهما حملته على الإقطاع والتقاليد البالية، واستغلال بعض رجال الدين، وكشف استغلال أصحاب الأموال لفقراء الفلاحين الأمر الذي جعل جميع المستغلين يناصبون جبران العداء المرير... وكتب جبران الشعر في (المواكب) الذي كان حواراً شعرياً حول أهم ما يؤرق الإنسان في حياته مثل: العدل والسعادة والحق والحرية والخير والشر ..كذلك كتب المقال كما عرفه من الغربيين في أيامه في الثلث الأول من القرن العشرين .. وكأن نفس جبران الثائرة رفضت أن تُسجن ضمن خطوط - ولو كانت عريضة لفن أدبي، له ضوابط وتقاليد .. ورّبما لهذا السبب كان أغلب الأدب الجبراني خواطر متناثرة، ومقالات كما في كتابه ( البدائع والطرائف) الذي تحدث فيه عن مفكرين لامعين مثل: ابن سينا والغزالي وابن الفارض و جرجي زيدان ... وغيرهم.
إن نظرة محايدة إلى ما ترك جبران من آثار، تشير إلى أن مرور أكثر من ستين عاماً على وفاته وحوالي أكثر من مئة عام على ولادته لم تغير كثيراً من موقعه كرائد من روّاد الحداثة في حياتنا المعاصرة ..
مثلاً حين يقول: " الحق، الحق أقول لكم: إن حبة الحنطة التي تقع على الأرض إن لم تمت تبقى وحدها وإن ماتت أتت بثمر كثير ..."ولا أعرف نقطة أكثر وضوحاً وثورية- في زمنها- من هذه النقطة تتمحور حولها كلُّ نضالات الثوار الذين يعملون من أجل هذا الوطن العربي في التحرير والتقدّم .. إنّها تشكل محوراً هاماً في حركات المقاومة فوق الأرض العربية المحتلة ..إنها لا تغيب عن وجدان هؤلاء الذين يرون الموت العالي - موت الشهداء - هو بداية الحياة الكريمة المجيدة للشعوب .
جبران ضد الاغتراب ..
نشعر في كثير من الأحيان كأن جبران يعيش بيننا الآن يحذّرنا من الاغتراب الذي يعيشه الكثيرون منا فيتحولون مع هذا الاغتراب إلى صف الأعداء، يقول (جبران): " إن المغترب ليس عدواً واضحاً لمجتمعه ولكنه يقف في صف الأعداء "، ويقول كذلك :" أنت صالح يا صاحبي إذا كنت تشعر بإنسانيتك وكرامتك، وإذا كنت تشعر بأن في حياتك ما تعمله لأن الإنسان الذي يؤمن بهدف ما، يريد الوصول إليه، لا يتطرق اليأس إلى روحه رغم توافه الحياة اليومية التي تقربنا في كثير من الأحيان من حافة اليأس ..".
يحذر جبران من الاغتراب السلبي الذي هو إهدار لقدرات الإنسان الخلاّقة والقضاء على هذا الاغتراب يكون بالعمل الذي يحقق وجود الإنسان وحريته . إن جبران هو القائل: " ((لا تصّدق أن الدهر يرفعك أو يخفضك فمصيرك بين يديك، لا تتكل على الأماني فهي بضاعة الموتى..".
الحياة: أخذ وعطاء
إن جبران الذي رحل عن دنيانا منذ أكثر من ستين عاماً مازال يعلمنا أن روعة الحياة تكمن في الأخذ والعطاء، هكذا تعلمنا الحقول: " إن لذة النحلة قائمة على امتصاص العسل من الزهرة ولذة الزهرة تكون بتقديم عسلها للنحلة .. النحلة تعتقد أن الزهرة تؤمن أنّها رسول المحبة، كلتاهما تؤمنان أن العطاء والأخذ حاجتان لا غنى عنهما لمن يُريد أن يعيش سعيداً ولذة العطاء لا تقل إسعاداً عن لذة الأخذ، إن لم تتفوق عليها ...".
إن القراءة المحايدة تظهر أن جبران مرتبط بأرضه وأن افتتانه بالغرب وما فيه من أفكار وخاصة نيتشه في كتابه " هكذا تكلم زرادشت" لم ينسه حُبَّه لوطنه فعلى سبيل المثال كان النبي الذي اختاره كي ينطق باسمه، ويحمل أفكاره عربياً سمّاه (المصطفى) وكذلك إخلاصه لوطنه يتجلى من خلال حديثه عن الريف الذي ولد فيه، يقول جبران: " سرنا مع تيار المدنية حتى نسينا أو تناسينا فلسفة الحياة الجميلة البسيطة المملوءة طهراً ونقاوة، تلك الحياة التي إذا ما تأملناها صيرناها مبتسمة في الربيع مُثقلة في الصّيف مستقلة في الخريف مرتاحة في الشتاء، نحن أكثر من القرويين مالاً وهم أشرف منا نفوساً، نحن نشرب كأس الحياة ممزوجة بمرارة الخوف واليأس والملل وهم يرشفونها صافيةً ..، قال جبران ذلك على الرغم من أنه كان مجبراً على الرحيل من وطنه كي يعيش .. ومع ذلك يرى أن البُعد عن الأرض يقود إلى الموت المعنوي إن لم يكن الموت المادي وهذا مفهوم مبكر نفذت إليه بصيرة جبران ليصبح بعد نصف قرن من رحيله عن هذا العالم، أحد الهموم التي تؤرق كبار المبدعين في وطننا العربي .. كان الارتباط بالأرض هو الحرية .. والابتعاد عنها هو الموت - محور رائعة غسان كنفاني الروائية (رجال في الشمس) كما كانت الفكرة نفسُها هي محور عمل جبرا إبراهيم جبرا الروائي(السفينة) وهي كذلك محور المسرحية الغنائية(غربة) التي شارك في كتابتها محمد الماغوط، وعبارة جبران التي تلخص موقفه من هذه القضية الهامة تقول: "ولهذا أنا غريب وسأبقى غريباً حتى تخطفني المنايا وتحملني إلى وطني".
في كثير من الأحيان نشعر كأن جبران يعيش بيننا وكأن هذا الفكر القادر على السفر نحو المستقبل ليضيء لنا الدرب نحن الذين نعيش الآن نقول: وكأن هذا الفكر ليس لإنسان نتذكره بعد حوالي ستين عاماً من وفاته .. وإذا صادف أن احتفلنا بمرور ستين عاماً على ولادة أحد المفكرين ممّن يعيشون بيننا فهل نجد عنده من الأفكار المضيئة مثل ما يمكن أن نجده عند جبران؟!.
جبران يدافع عن الفكر العربي:
إن أحد الهموم التي تشغل بال المفكرين العرب التقدميين اليوم - أواخر القرن العشرين- هو رفض النظرية الاستشراقية التي نشأت في ظل الاستعمار والتي تحرم العرب أو تستكثر عليهم الإسهام ولو قليلاً بالحضارة الإنسانية ..وكأن بصيرة جبران تأبى إلاّ أن تُسهم في الردّ على هذه الافتراءات حين يؤكد أن الحضارة العربية جزء مهم وإسهام فعّال في الحضارة الإنسانية، وحين يؤكد أن الفكر العربي مكمّل للفكر اليوناني وهو في الوقت نفسه حلقة ذهبية ربطت بين فلسفات الشرق المثالية وفلسفات الغرب المادية ويرى أن(ابن سينا) يجمع في قصيدة واحدة عن( النفس)ما قاله شكسبير، و تشلي، وغوته وغيرهم..
وإذا كانت بعض الكتب الهامة اليوم مثل كتاب " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية " للدكتور حسين مروة"، تحاول إثبات أن الشرق ومنه الوطن العربي ليس متخلفاً بطبيعة تكوينه العقلي والنفسي وإنما يعود ذلك إلى ظروف اجتماعية اقتصادية لها اسبابها المختلفة ..فإن جبران قد قال ذلك منذ مطلع هذا القرن " ليس الشرقي أرقى من الغربي ولا الشرقي أحطّ من الغربي ".. وإنما رُقي الإنسان وانحطاطه رهنٌ بالظروف الاجتماعية والاقتصادية حوله، وإذا كان العبد الذي يعلم حالة استعباده ويناضل ضدها هو إنسان ثوري كما يقول ( لينين ) فإن جبران غير بعيد عن هذا الثوري حين شعر أن أبالسة الخمول تقود مواطنيه وقيود العبودية تتمسك بأقدامهم .. فحاول أن يُضيء درب التمرد والثورة.
جبران .. الواقعي:
حين يقول جبران عن ( ابن سينا) - تلميذ أرسطو- إنه أدنى إلى مُعتقدي وأقرب إلى ميولي، فإنه بذلك يحدد موقعه إلى جانب الفكر المرتبط بالواقع والذي يتعامل مع الواقع تعاملاً علمياً. وهذا - حسب ظنّي - هو ما قاد جبران إلى أن يرتضي الفقر قناعةً، ويتمرد عليه ظلماً لأن الفقر والظلم ليسا قدرين من السماء.
كما كان علمياً واقعياً عندما آمن بقدرة الإنسان على المواجهة مهما اشتدّ الظلام حوله، وعليه ألاّ يبقى في مواقفه السلبية مهما اشتدّ ضغط الظروف يقول: " كنا نشكو الدهر وصرنا نواجهه، كنا نخاف العواصف وصرنا نقصدها.. كنا نخضع للملوك والأصنام وصرنا لا نعبد إلاّ الحب، كنا فكراً صامتاً وصرنا صوتاً...".
وحين ينهي كتابه " يسوع بن الإنسان " بصوت ( يوحنا) الذي امتزجت فيه المعرفة بالعزم.. ينهي هذا الكتاب بكلمة " إنه النضال لا غير" يكون جبران قد جدد لنا مُنذ بداية هذا القرن الطريق نحو التقدم الحقيقي .
هذا بعض مما قدّمه جبران الذي بقي حائراً بين التصوير (الرسم) والكتابة إلى أن التقى في باريس المثال العظيم (رودان) في مرسمه وقد تحدث إلى جبران عن الفنان الشاعر ( وليم بليك) الذي أخذ الشعر وسيلةً يُعبّر فيها عن رسومه ... وخرج جبران بعد هذا اللقاء والدنيا تتسع أمامه، يهتف :" لا تردّدَ بعد اليوم.."!.
وقد جعل من ( وليم بليك) قدوة له، وبدءاً من هذا اللقاء سوف يكتب ويرسم حتى صار جبران الذي نعرفه، جاء الدرس إلى من يحب العمل حتى العبادة .." أحب العمل .. ولا أدع دقيقة من وقتي تمر بلا عمل، إن الأيام التي تكون فيها نفسي راقدة وفكرتي خاملة، هي عندي أمرُّ من العلقم واشد قسوة من أنياب الذئاب..".
إن العمل عند جبران مقياس لإنسانية الإنسان ومن أجل العمل قدّس العزيمة الجبارة التي تقهر مصاعب الحياة لتصل إلى الهدف الذي يعيش من أجله .."، يقول :" أنا فرح بوجود المصاعب في حياتي لأني أريد أن أتغلّب عليها،إذ لولا المصاعب لما وجد الجهاد والعمل ولكانت الحياة باردة قفراء ممّلة .. وقد كتب ذات يوم إلى (مي زيادة)، " أنا بركان صغير، سُدّت فوهته، فلو تمكنت من كتابة شيء جميل أو كبير لشفيت تماماً .. إن ما فعلته لاشيء..."
هذا ما يقوله جبران عن نفسه شأن الكبار الذين يصيرون كباراً وهم يصنعون أنفسهم بالإرادة والعزم .. ولا يرضون عما قدّموه لأنهم دائماً ينظرون إلى الأسمى والأرفع.
يمكن القول إن كتاب (النبي) هو عصارة حياة(جبران خليل جبران)، كما هو عصارة فكره إذ قد أعاد كتابته خمس مرات في خمس سنوات متواليات قبل أن يوضع في يد النشر كما تقول (بربارة نييبح)
منقول من كتاب للكاتب فوزي معروف
جاء في مقال الدكتور مُحيي الدين صُبحي في تحية للشاعر القروي المنشورة في مجلة (الوحدة) العدد الثاني لشهر تشرين الثاني لعام 1984 ص 106- أن جبران نقل إلى الأدب العربي مرض العصر فابتلى أدبنا بالسوداوية والركاكة وسقط جبران في وحل الطائفية الإقليمية وأساء إلى الأدب من حيث كونه لم يتقيد بقواعد الأجناس الأدبية: الشعر المنثور، قصيدة النثر، القصة الشعرية ..."
والسطور التالية لا تمثل ردّاً على دكتور محيي الدين صبحي بقدر ما تكشف دور جبران في كونه أحد روّاد الحداثة في حياتنا الأدبية الفكرية: لم يكن لجبران خليل جبران الذي امتدت حياته حوالي ثمانية وأربعين عاماً من 1883 إلى 1931م لم يكن له فلسفة محددة الخطوط واضحة المعالم بقدر ما كانت الحياة عنده ثوره وتمرداً كما هي عند الفيلسوف الألماني ( نيتشه) لأن اضطراب الحياة العربية آنذاك من كافة النواحي لم يترك المجال أمام المبدعين ليرسموا معالم فلسفة واضحة أو كي يبدعوا فنّاً يحتاج إلى الاستقرار ... ولعل وجود هذا السبب هو الذي لم يمكن جبران من أن يصب أشواق روحه في روايات أو قصص قصيرة أو شعر .. وكأنه شعر أن أيّاً من فنون الأدب لا يستطيع استيعاب ثورته وتمرده .. لذلك مارس كتابة القصة القصيرة كما استطاع أن يفهمها في كتابين هما ( عرائس المروج ) و (الأرواح المتمردة) ضمنّهما حملته على الإقطاع والتقاليد البالية، واستغلال بعض رجال الدين، وكشف استغلال أصحاب الأموال لفقراء الفلاحين الأمر الذي جعل جميع المستغلين يناصبون جبران العداء المرير... وكتب جبران الشعر في (المواكب) الذي كان حواراً شعرياً حول أهم ما يؤرق الإنسان في حياته مثل: العدل والسعادة والحق والحرية والخير والشر ..كذلك كتب المقال كما عرفه من الغربيين في أيامه في الثلث الأول من القرن العشرين .. وكأن نفس جبران الثائرة رفضت أن تُسجن ضمن خطوط - ولو كانت عريضة لفن أدبي، له ضوابط وتقاليد .. ورّبما لهذا السبب كان أغلب الأدب الجبراني خواطر متناثرة، ومقالات كما في كتابه ( البدائع والطرائف) الذي تحدث فيه عن مفكرين لامعين مثل: ابن سينا والغزالي وابن الفارض و جرجي زيدان ... وغيرهم.
إن نظرة محايدة إلى ما ترك جبران من آثار، تشير إلى أن مرور أكثر من ستين عاماً على وفاته وحوالي أكثر من مئة عام على ولادته لم تغير كثيراً من موقعه كرائد من روّاد الحداثة في حياتنا المعاصرة ..
مثلاً حين يقول: " الحق، الحق أقول لكم: إن حبة الحنطة التي تقع على الأرض إن لم تمت تبقى وحدها وإن ماتت أتت بثمر كثير ..."ولا أعرف نقطة أكثر وضوحاً وثورية- في زمنها- من هذه النقطة تتمحور حولها كلُّ نضالات الثوار الذين يعملون من أجل هذا الوطن العربي في التحرير والتقدّم .. إنّها تشكل محوراً هاماً في حركات المقاومة فوق الأرض العربية المحتلة ..إنها لا تغيب عن وجدان هؤلاء الذين يرون الموت العالي - موت الشهداء - هو بداية الحياة الكريمة المجيدة للشعوب .
جبران ضد الاغتراب ..
نشعر في كثير من الأحيان كأن جبران يعيش بيننا الآن يحذّرنا من الاغتراب الذي يعيشه الكثيرون منا فيتحولون مع هذا الاغتراب إلى صف الأعداء، يقول (جبران): " إن المغترب ليس عدواً واضحاً لمجتمعه ولكنه يقف في صف الأعداء "، ويقول كذلك :" أنت صالح يا صاحبي إذا كنت تشعر بإنسانيتك وكرامتك، وإذا كنت تشعر بأن في حياتك ما تعمله لأن الإنسان الذي يؤمن بهدف ما، يريد الوصول إليه، لا يتطرق اليأس إلى روحه رغم توافه الحياة اليومية التي تقربنا في كثير من الأحيان من حافة اليأس ..".
يحذر جبران من الاغتراب السلبي الذي هو إهدار لقدرات الإنسان الخلاّقة والقضاء على هذا الاغتراب يكون بالعمل الذي يحقق وجود الإنسان وحريته . إن جبران هو القائل: " ((لا تصّدق أن الدهر يرفعك أو يخفضك فمصيرك بين يديك، لا تتكل على الأماني فهي بضاعة الموتى..".
الحياة: أخذ وعطاء
إن جبران الذي رحل عن دنيانا منذ أكثر من ستين عاماً مازال يعلمنا أن روعة الحياة تكمن في الأخذ والعطاء، هكذا تعلمنا الحقول: " إن لذة النحلة قائمة على امتصاص العسل من الزهرة ولذة الزهرة تكون بتقديم عسلها للنحلة .. النحلة تعتقد أن الزهرة تؤمن أنّها رسول المحبة، كلتاهما تؤمنان أن العطاء والأخذ حاجتان لا غنى عنهما لمن يُريد أن يعيش سعيداً ولذة العطاء لا تقل إسعاداً عن لذة الأخذ، إن لم تتفوق عليها ...".
إن القراءة المحايدة تظهر أن جبران مرتبط بأرضه وأن افتتانه بالغرب وما فيه من أفكار وخاصة نيتشه في كتابه " هكذا تكلم زرادشت" لم ينسه حُبَّه لوطنه فعلى سبيل المثال كان النبي الذي اختاره كي ينطق باسمه، ويحمل أفكاره عربياً سمّاه (المصطفى) وكذلك إخلاصه لوطنه يتجلى من خلال حديثه عن الريف الذي ولد فيه، يقول جبران: " سرنا مع تيار المدنية حتى نسينا أو تناسينا فلسفة الحياة الجميلة البسيطة المملوءة طهراً ونقاوة، تلك الحياة التي إذا ما تأملناها صيرناها مبتسمة في الربيع مُثقلة في الصّيف مستقلة في الخريف مرتاحة في الشتاء، نحن أكثر من القرويين مالاً وهم أشرف منا نفوساً، نحن نشرب كأس الحياة ممزوجة بمرارة الخوف واليأس والملل وهم يرشفونها صافيةً ..، قال جبران ذلك على الرغم من أنه كان مجبراً على الرحيل من وطنه كي يعيش .. ومع ذلك يرى أن البُعد عن الأرض يقود إلى الموت المعنوي إن لم يكن الموت المادي وهذا مفهوم مبكر نفذت إليه بصيرة جبران ليصبح بعد نصف قرن من رحيله عن هذا العالم، أحد الهموم التي تؤرق كبار المبدعين في وطننا العربي .. كان الارتباط بالأرض هو الحرية .. والابتعاد عنها هو الموت - محور رائعة غسان كنفاني الروائية (رجال في الشمس) كما كانت الفكرة نفسُها هي محور عمل جبرا إبراهيم جبرا الروائي(السفينة) وهي كذلك محور المسرحية الغنائية(غربة) التي شارك في كتابتها محمد الماغوط، وعبارة جبران التي تلخص موقفه من هذه القضية الهامة تقول: "ولهذا أنا غريب وسأبقى غريباً حتى تخطفني المنايا وتحملني إلى وطني".
في كثير من الأحيان نشعر كأن جبران يعيش بيننا وكأن هذا الفكر القادر على السفر نحو المستقبل ليضيء لنا الدرب نحن الذين نعيش الآن نقول: وكأن هذا الفكر ليس لإنسان نتذكره بعد حوالي ستين عاماً من وفاته .. وإذا صادف أن احتفلنا بمرور ستين عاماً على ولادة أحد المفكرين ممّن يعيشون بيننا فهل نجد عنده من الأفكار المضيئة مثل ما يمكن أن نجده عند جبران؟!.
جبران يدافع عن الفكر العربي:
إن أحد الهموم التي تشغل بال المفكرين العرب التقدميين اليوم - أواخر القرن العشرين- هو رفض النظرية الاستشراقية التي نشأت في ظل الاستعمار والتي تحرم العرب أو تستكثر عليهم الإسهام ولو قليلاً بالحضارة الإنسانية ..وكأن بصيرة جبران تأبى إلاّ أن تُسهم في الردّ على هذه الافتراءات حين يؤكد أن الحضارة العربية جزء مهم وإسهام فعّال في الحضارة الإنسانية، وحين يؤكد أن الفكر العربي مكمّل للفكر اليوناني وهو في الوقت نفسه حلقة ذهبية ربطت بين فلسفات الشرق المثالية وفلسفات الغرب المادية ويرى أن(ابن سينا) يجمع في قصيدة واحدة عن( النفس)ما قاله شكسبير، و تشلي، وغوته وغيرهم..
وإذا كانت بعض الكتب الهامة اليوم مثل كتاب " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية " للدكتور حسين مروة"، تحاول إثبات أن الشرق ومنه الوطن العربي ليس متخلفاً بطبيعة تكوينه العقلي والنفسي وإنما يعود ذلك إلى ظروف اجتماعية اقتصادية لها اسبابها المختلفة ..فإن جبران قد قال ذلك منذ مطلع هذا القرن " ليس الشرقي أرقى من الغربي ولا الشرقي أحطّ من الغربي ".. وإنما رُقي الإنسان وانحطاطه رهنٌ بالظروف الاجتماعية والاقتصادية حوله، وإذا كان العبد الذي يعلم حالة استعباده ويناضل ضدها هو إنسان ثوري كما يقول ( لينين ) فإن جبران غير بعيد عن هذا الثوري حين شعر أن أبالسة الخمول تقود مواطنيه وقيود العبودية تتمسك بأقدامهم .. فحاول أن يُضيء درب التمرد والثورة.
جبران .. الواقعي:
حين يقول جبران عن ( ابن سينا) - تلميذ أرسطو- إنه أدنى إلى مُعتقدي وأقرب إلى ميولي، فإنه بذلك يحدد موقعه إلى جانب الفكر المرتبط بالواقع والذي يتعامل مع الواقع تعاملاً علمياً. وهذا - حسب ظنّي - هو ما قاد جبران إلى أن يرتضي الفقر قناعةً، ويتمرد عليه ظلماً لأن الفقر والظلم ليسا قدرين من السماء.
كما كان علمياً واقعياً عندما آمن بقدرة الإنسان على المواجهة مهما اشتدّ الظلام حوله، وعليه ألاّ يبقى في مواقفه السلبية مهما اشتدّ ضغط الظروف يقول: " كنا نشكو الدهر وصرنا نواجهه، كنا نخاف العواصف وصرنا نقصدها.. كنا نخضع للملوك والأصنام وصرنا لا نعبد إلاّ الحب، كنا فكراً صامتاً وصرنا صوتاً...".
وحين ينهي كتابه " يسوع بن الإنسان " بصوت ( يوحنا) الذي امتزجت فيه المعرفة بالعزم.. ينهي هذا الكتاب بكلمة " إنه النضال لا غير" يكون جبران قد جدد لنا مُنذ بداية هذا القرن الطريق نحو التقدم الحقيقي .
هذا بعض مما قدّمه جبران الذي بقي حائراً بين التصوير (الرسم) والكتابة إلى أن التقى في باريس المثال العظيم (رودان) في مرسمه وقد تحدث إلى جبران عن الفنان الشاعر ( وليم بليك) الذي أخذ الشعر وسيلةً يُعبّر فيها عن رسومه ... وخرج جبران بعد هذا اللقاء والدنيا تتسع أمامه، يهتف :" لا تردّدَ بعد اليوم.."!.
وقد جعل من ( وليم بليك) قدوة له، وبدءاً من هذا اللقاء سوف يكتب ويرسم حتى صار جبران الذي نعرفه، جاء الدرس إلى من يحب العمل حتى العبادة .." أحب العمل .. ولا أدع دقيقة من وقتي تمر بلا عمل، إن الأيام التي تكون فيها نفسي راقدة وفكرتي خاملة، هي عندي أمرُّ من العلقم واشد قسوة من أنياب الذئاب..".
إن العمل عند جبران مقياس لإنسانية الإنسان ومن أجل العمل قدّس العزيمة الجبارة التي تقهر مصاعب الحياة لتصل إلى الهدف الذي يعيش من أجله .."، يقول :" أنا فرح بوجود المصاعب في حياتي لأني أريد أن أتغلّب عليها،إذ لولا المصاعب لما وجد الجهاد والعمل ولكانت الحياة باردة قفراء ممّلة .. وقد كتب ذات يوم إلى (مي زيادة)، " أنا بركان صغير، سُدّت فوهته، فلو تمكنت من كتابة شيء جميل أو كبير لشفيت تماماً .. إن ما فعلته لاشيء..."
هذا ما يقوله جبران عن نفسه شأن الكبار الذين يصيرون كباراً وهم يصنعون أنفسهم بالإرادة والعزم .. ولا يرضون عما قدّموه لأنهم دائماً ينظرون إلى الأسمى والأرفع.
يمكن القول إن كتاب (النبي) هو عصارة حياة(جبران خليل جبران)، كما هو عصارة فكره إذ قد أعاد كتابته خمس مرات في خمس سنوات متواليات قبل أن يوضع في يد النشر كما تقول (بربارة نييبح)
د: طارق نايف الحجار- حكيم المنتدى
- عدد المساهمات : 511
تاريخ التسجيل : 08/05/2009
رد: جــبـــران مـــن روّاد الـــحـــداثـــة
عن تاريخ الكتاب.
إن جبران كان من القلة النادرة التي تسبق زمانها ،لتأخذ على عاتقها كشف الحقيقة وتعريتها من كل زيف ،ولذلك يجوز لنا أن نقول: إن جبران كان أول العرب المعاصرين الذين اخترقوا بإبداعهم المحلية إلى نطاق عالمي رحب،حتى غدت شهرة جبران العالمية تفوق شهرته في وطنه العربي الكبير ..
و( نبيُّ ) جبران مثال رائع في الحنين إلى الوطن، لأن محبة الذين حوله في بلاد الاغتراب -وتأثرهم به لم تخفف عنده عزم العودة إلى وطنه وكان لابد لهذه المحبة أن تبوح أمام عزم العودة إلى الوطن قائلة:" إن محبّتنا لا تقيدك وحاجتنا إليك لا تمسك بك، ولكنَّا نطلب إليك أن تعطينا من الحق الذي عندك لنعطيه لأولادنا، وأولادنا لأحفادهم... ".
وعندئذ بدأ المعلم يلقن حكمه الشرق كما استوعبتها ذاته إلى أبناء الغرب ،وكان الدرس الأول عن المحبة ذات المسالك الصّعبة، لأن المحبة تطهرنا بنيرانها، وتستأصل الفاسد من ذواتنا المحبة تغربلنا كي نتحرر من القشور وتطحننا كي تجعلنا أنقياء كالثلج، ويقود الحديث عن المحبة إلى الحديث عن الأبناء الذين من وحي محبّته لهم قال يخاطب الآباء:"...إنكم تستطيعون أن تمنحوا أولادكم المحبة ولكن لا تستطيعون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصة بهم،إن في طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم، لأنها تقطن في مساكن الغد ولكم أن تجاهدوا كي تصيروا مثلهم ولكن عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم، لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء ،ولا تلذّ لها الإقامة في منازل الأمس.." إن جبران بهذا المفهوم المبكر لعلاقة الأجيال – أو صراع الأجيال - كما يحلو لبعضهم أن يقول- يضعُ الأولوية للمستقبل ،ولم يكُن كبعض الذين عاصروه أو جاؤوا بعده يمشي إلى الأمام ووجهه - فكره- إلى الخلف .. إنه كان يعيش حاضره لينطلق منه إلى المستقبل ذلك المستقبل الذي هو الشّغل الشاغل للمفكرين منذ القرن التاسع عشر.
كان كتاب ( النبي) صرخة احتجاج ضد عالم يملؤه الشر وكانت الكلمة فيه إحدى رسائل جبران لتخليص البشرية من الشر المتجذر في حاضرها .. كان (النبي) رسالة إلى الإنسانية جمعاء قبل أن يكون عاصفة تجتاح الغرب كما يقول ( روزفلت) وليس غريباً أن يكون هذا الكتاب من أروع ما ترك (جبران) لأنه تحدث فيه عن علاقة الإنسان بالإنسان وهو الأمر الذي كان ومازال يشغل بال عباقرة البشرية منذ أول الزمان، وإذا كان كما يقال قد تأثر بكتاب ( هكذا تكلم زرادشت) للفيلسوف الألماني (نيتشه)، فإن تأثره لا يعدو أن يكون اقتباساً لطريقته في مُخاطبة الآخرين،فكما أن (نيتشه) جعل من (زرادشت) وهو نبي ينطق بأفكاره ،فإن جبران جعل من المصطفى لساناً ينطق من خلاله ليحدّث الآخرين، وفيما عدا ذلك كان كتاب ( النبي ) نتيجة معاناة طويلة وفلسفة اعتمدت على الحب الطاهر، بخلاف فلسفة نيتشه المبنية على العُنف، والتي كانت أساساً لكثير من الأفكار العنصرية وكان يعيبُ جبران لو أنه وقع تحت سطوة أفكار نيتشه مثلما وقع تحت سطوة بعض أساليبه ويمكن القول بعبارة أخرى، إن جبران في ( النبي) معلِّم يستخدم قالب نيتشه على طريقته الخاصة وبأسلوبه الخاص كما يقول دكتور ( ثروت عكاشة) مُترجم كتاب ( النبي) عن الإنجليزية إلى العربية، وأراد جبران لمضمون كتابه أن يتوافق مع اسمه (النبي) فحرص على أن يرتفع بأسلوبه، ليكون التأثر أبلغ و أسرع فانتقى التشابيه وأبدع الاستعارات فجاء أسلوبه قريباً من الحكم المسبوكة لمعرفته أنها أعمق أثراً من الجمل الطويلة التي تأتي عفو الخاطر ،بحيث يمكن اعتبار ( نبي) جبران خطوة رائدة انطلقت منها الحداثة في العديد من المجالات وخاصة ( قصيدة النثر) النامية في أدبنا العربي الحديث ،وفي هذا الكتاب تحدث جبران عن كثير من الأمور التي تهم الإنسان في علاقته بأخيه الإنسان – كما سبق أن قلنا- قال المصطفى يخاطب البحر: " سيدور هذا الجدول دورة ومن بعدها سآتيك قطرة لاتحدّ إلى محيط لا يحدّ "، وفي كلمته الأخيرة لأهل ( أورفليس) يقول: " عما قليل بعد هجعة قصيرة على أجنحة الريح ستحبل بي امرأة أخرى " ولعله يريد أن يقول في هذا الكلام، انه سيكون بداية لمن سوف يأتي بعده ويكمل رسالته وأنه سوف يبعث في فكر كلِّ ثائر متمرد يقول: " الحق .. الحقّ أقول لكم أن حبة الحنطة التي تقع على الأرض إن لم تمت فإنها تبقى وحدها وإن ماتت أتت بثمر كثير " ألا يريد أن يقول " إنَّك إذا أفنيت نفسك في المجتمع تحولت إلى قوة هائلة تماماً مثل حبة القمح التي تفنى في الأرض لتعود سنابل فيها الحب الكثير .. وما أروع بصيرة جبران التي نفذت إلى المستقبل في الربع الأول من هذا القرن العشرين- فرأت الناس " يتحولون في المدن الكبيرة مع الأيام إلى فاقدي الإرادة ،إنهم يحترقون في أتون الحياة الضاري "، لأنه في المدينة تتباعد قلوب الناس رغم قصر المسافات بينهم ...."
وعندما يتحدث جبران عن اللذة أو ما يمكن أن نسميه السعادة يجدها في أن نعمل ونفتش ونتعب لأننا نجد في ذلك العمل اللذة المنشودة ،ونجد معها سبع شقيقات أحقرهن أوفر جمالاً من اللذة .. أي أن جبران يدعونا إلى العمل والبحث لأنه يشبع فينا الشوق إلى السعادة والطموح إلى المعرفة كما يعلمنا أن السعادة في الحياة قائمة على الأخذ والعطاء ...
ومن الحقول نتعلم أن لذة النحلة قائمة على امتصاص العسل من الزهرة ولكن لذّة الزهرة أيضاً تكون بتقديم عسلها ... والنحلة تعتقد أن الزهرة ينبوع الحياة والزهرة تؤمن أن النحلة رسول المحبة، والزهرة والنحلة كلتاهما تعتقد أن الأخذ والعطاء حاجتان لابدّ منهما في الحياة وسعادة لا غنى للحياة عنهما ..
وهنا نلمس واقعية جبران التي كانت السبب في بقائه حيّاً نابضاً بالجديد، بينما أكل الزمن مُعْظم معاصريه، تلك الواقعية التي ترى أن الحياة عمل دائم نحو التقدم وأن السعادة فيها قائمة على تبادل المنفعة فمثلما تحتاج الحياة للزهرة تحتاج كذلك للنّحلة، وأن عمل الإسكافي الذي يصنع الأحذية لا يقل شأناً عن عمل الفنان الذي ينحتُ الرخام ليجعل منه النماذج الفنّية وأن الريح لا تخاطب السنديانة الجبارة بغير اللهجة التي تخاطب بها أقصر أعشاب الأرض .. هذه حكمة الطبيعة التي هي عند جبران المعلم الأكبر، وتجلت روعة جبران عندما تحدث عن الجمال على أنه شيء نسبي وليس شيئاً مُطلقاً فالجمال عند الحزين رقّة ولطف وعند الغضوب قوّة وبطش وعند الحارس بزوغ الفجر وعند العامل يطل من نوافذ الغروب وهو في ذلك يختلف عن ( نيتشه) الذي يريد في كتابه الآنف الذكر خلق الإنسان المتفوق جباراً كشمشون وشاعراً كداود.وحكيماً كسليمان - الإنسان السوبرمان - فهو بذلك يكلّف الطبيعة ما لا طاقة لها عليه - كما قيل.
وعندما يحدثنا جبران عن العطاء يلمس حقيقةً إنسانية رافقت البشر منذ بداية الحياة يسأل: أليس الخوف من الحاجة هو الحاجة بعينها؟ أليس الظمأ الشديد للماء عندما تكون البئر مليئة هو الظمأ الذي لا يرتوي؟... إنه يرى أن رغبة الكثيرين في الشهرة تضيع الفائدة من عطاياهم ؟ ومن الناس الذي يُعطي كما يُعطي الريحان عبيره في الوادي،وهؤلاء هم الذين يؤمنون بالحياة وسخاء الحياة، وهم الذين لا تفرغ صناديقهم وخزائنهم ملأى دائماً ..
وإذا كنا لا بدّ أن نستخدم في المأكل والمشرب لبن الحيوانات ولحومها فليكن ذلك أكثر نقاوة ونبلاً في الأعماق، وكأنه في كتابه ( النبي) يسأل السؤال الذي طرحه (زوربا اليوناني) وهو يتحدث بعفوية: " قل لي ماذا تفعل بالطعام الذي تأكله أقل لك من أنت ؟
ولا تختلف نظرة جبران إلى العمل عن نظرة أكثر أبناء الإنسانية عطفاً عليها وذلك حين يرى أن الكسول غريب عن فصول الأرض وطبيعة الحياة، فالعمل يجعل الإنسان مزماراً تنطلق منه موسيقى الحياة .. يقول: " العمل .. أقول لكم يفتح قلوبكم بالحقيقة - لمحّبة الحياة لأن من أحب الحياة بالعمل تفتح له الحياة أعماقها وتدنيه من أبعد أسرارها ولا شيء يغسل كآبة الحياة ويطهر النفس سوى السعي .. إن الحياة حالكة سوداء إذا لم ترافقها الحركة، والحركة عمياء إذا لم ترافقها المعرفة والمعرفة عقيمة إذا لم يرافقها العمل وهذا يكون باطلاً إذا لم يقترن بالمحبة .. وحب العمل يعني أن تبني وكأنك أنت الذي سوف تسكن فيما تبني وكذلك حين تنسج، الحب هو أن تودع كل عمل من أعمالك نسمة من روحك وإذا خلا عملك من المحبة فإنه لا يُشبع سوى نصف مجاعة الإنسان ".
وتتجلى واقعية جبران كذلك عندما يرى أن الفرح والحزن لازمان للحياة ،لزوم النور للشمس ،والعطر للورد وأنه لولا تغلغل وحش الحزن في قلوبنا لما تضاعف الفرح في أعماقها " لأن الكأس التي تحفظ خمرتكم هي نفس الكأس التي احترقت في أتون الخزّاف ..".
وحين يتحدث عن البيوت يطلب من الناس أن يخبروه بماذا يحتفظون في بيوتهم هذه؟ هل عندهم الجمال الذي يرقى بالقلب الإنساني ؟ هل عندهم الرفاهية فقط الممزوجة بالطمع؟ الرفاهية التي تدخل البيت ضيفاً ثم لا تلبث أن تصير مُضيفاً فسيّداً عاتياً عنيفاً ؟! ثم تتحول إلى رائض جياد يتقلد السوط بيمينه، والكلاب بيساره متخذاً رغباته المفضّلة ألعوبة يتلهى بها ... وإن كان بنان الرفاهية حريري فإن قلبها حديدي صلب، إن التحرق للرفاهية ينحر أهواء النفس في كيدها فيرديها قتيلة ..
ولا أعرف إن كان غيرُ جبران يستطيع أن يعبّر عما نعانيه اليوم من رفاهية مستوردة نمارسها تقليداً بحيث قضت على ما يمكن أن يكون في دواخلنا من إمكانات قادرة على العطاء والإبداع، لإن هدف الكثيرين منا في حياته أصبح تأمين أكبر قدر من الرفاهية على حساب ذلك الجانب الذي افتقدناه.
ويبدو أن جبران في كتابه ( النبي) يريد أن يقطر حكمة الحياة في سطور قليلة وهذا من طبع الكبار الذين تنفُذ بصيرتهم إلى المستقبل البعيد، حيث تبقى كلماتهم جديدة الطعم تنبض بالحياة، تتحدى طوفان الزمن ،تبقى كلماتهم طازجة وكأن قائلها فرغ لتوّه من كتابتها ... ولقد صدق مًنْ قال: " إذا كنت تخاف أن تفكر فأجدر بك ألاّ تقرأ جبران الذي أثبتت الأيام أنه وإن كان حدثاً في العمر فإنه شيخ في تقطير حكم الحياة في كلمات.
المراجع والمصادر:
1-المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران، قدّم لها وأشرف على تنسيقها ميخائيل نعيمة - مكتبة صادر - بيروت 1955.
2- النبي - ترجمة ميخائيل نعيمة - مطبعة المناهل - بيروت - 1956.
3- ميخائيل نعيمة - جبران خليل جبران: حياته، أدبه، فنه، دار بيروت ودار صادر، الطبعة الأولى، بيروت1934.
4- جبران خليل جبران وآخرون - بلاغة العرب في المهجر، مكتبة صادر، بيروت 1949.
5- " الوحدة " مجلة - العدد الثاني - تشرين الثاني عام 1984 - مقال الدكتور محيي الدين صبحي، تحية للشاعر القروي .
قرأة ممتعة مع أطيب الأمنيات
إن جبران كان من القلة النادرة التي تسبق زمانها ،لتأخذ على عاتقها كشف الحقيقة وتعريتها من كل زيف ،ولذلك يجوز لنا أن نقول: إن جبران كان أول العرب المعاصرين الذين اخترقوا بإبداعهم المحلية إلى نطاق عالمي رحب،حتى غدت شهرة جبران العالمية تفوق شهرته في وطنه العربي الكبير ..
و( نبيُّ ) جبران مثال رائع في الحنين إلى الوطن، لأن محبة الذين حوله في بلاد الاغتراب -وتأثرهم به لم تخفف عنده عزم العودة إلى وطنه وكان لابد لهذه المحبة أن تبوح أمام عزم العودة إلى الوطن قائلة:" إن محبّتنا لا تقيدك وحاجتنا إليك لا تمسك بك، ولكنَّا نطلب إليك أن تعطينا من الحق الذي عندك لنعطيه لأولادنا، وأولادنا لأحفادهم... ".
وعندئذ بدأ المعلم يلقن حكمه الشرق كما استوعبتها ذاته إلى أبناء الغرب ،وكان الدرس الأول عن المحبة ذات المسالك الصّعبة، لأن المحبة تطهرنا بنيرانها، وتستأصل الفاسد من ذواتنا المحبة تغربلنا كي نتحرر من القشور وتطحننا كي تجعلنا أنقياء كالثلج، ويقود الحديث عن المحبة إلى الحديث عن الأبناء الذين من وحي محبّته لهم قال يخاطب الآباء:"...إنكم تستطيعون أن تمنحوا أولادكم المحبة ولكن لا تستطيعون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصة بهم،إن في طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم، لأنها تقطن في مساكن الغد ولكم أن تجاهدوا كي تصيروا مثلهم ولكن عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم، لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء ،ولا تلذّ لها الإقامة في منازل الأمس.." إن جبران بهذا المفهوم المبكر لعلاقة الأجيال – أو صراع الأجيال - كما يحلو لبعضهم أن يقول- يضعُ الأولوية للمستقبل ،ولم يكُن كبعض الذين عاصروه أو جاؤوا بعده يمشي إلى الأمام ووجهه - فكره- إلى الخلف .. إنه كان يعيش حاضره لينطلق منه إلى المستقبل ذلك المستقبل الذي هو الشّغل الشاغل للمفكرين منذ القرن التاسع عشر.
كان كتاب ( النبي) صرخة احتجاج ضد عالم يملؤه الشر وكانت الكلمة فيه إحدى رسائل جبران لتخليص البشرية من الشر المتجذر في حاضرها .. كان (النبي) رسالة إلى الإنسانية جمعاء قبل أن يكون عاصفة تجتاح الغرب كما يقول ( روزفلت) وليس غريباً أن يكون هذا الكتاب من أروع ما ترك (جبران) لأنه تحدث فيه عن علاقة الإنسان بالإنسان وهو الأمر الذي كان ومازال يشغل بال عباقرة البشرية منذ أول الزمان، وإذا كان كما يقال قد تأثر بكتاب ( هكذا تكلم زرادشت) للفيلسوف الألماني (نيتشه)، فإن تأثره لا يعدو أن يكون اقتباساً لطريقته في مُخاطبة الآخرين،فكما أن (نيتشه) جعل من (زرادشت) وهو نبي ينطق بأفكاره ،فإن جبران جعل من المصطفى لساناً ينطق من خلاله ليحدّث الآخرين، وفيما عدا ذلك كان كتاب ( النبي ) نتيجة معاناة طويلة وفلسفة اعتمدت على الحب الطاهر، بخلاف فلسفة نيتشه المبنية على العُنف، والتي كانت أساساً لكثير من الأفكار العنصرية وكان يعيبُ جبران لو أنه وقع تحت سطوة أفكار نيتشه مثلما وقع تحت سطوة بعض أساليبه ويمكن القول بعبارة أخرى، إن جبران في ( النبي) معلِّم يستخدم قالب نيتشه على طريقته الخاصة وبأسلوبه الخاص كما يقول دكتور ( ثروت عكاشة) مُترجم كتاب ( النبي) عن الإنجليزية إلى العربية، وأراد جبران لمضمون كتابه أن يتوافق مع اسمه (النبي) فحرص على أن يرتفع بأسلوبه، ليكون التأثر أبلغ و أسرع فانتقى التشابيه وأبدع الاستعارات فجاء أسلوبه قريباً من الحكم المسبوكة لمعرفته أنها أعمق أثراً من الجمل الطويلة التي تأتي عفو الخاطر ،بحيث يمكن اعتبار ( نبي) جبران خطوة رائدة انطلقت منها الحداثة في العديد من المجالات وخاصة ( قصيدة النثر) النامية في أدبنا العربي الحديث ،وفي هذا الكتاب تحدث جبران عن كثير من الأمور التي تهم الإنسان في علاقته بأخيه الإنسان – كما سبق أن قلنا- قال المصطفى يخاطب البحر: " سيدور هذا الجدول دورة ومن بعدها سآتيك قطرة لاتحدّ إلى محيط لا يحدّ "، وفي كلمته الأخيرة لأهل ( أورفليس) يقول: " عما قليل بعد هجعة قصيرة على أجنحة الريح ستحبل بي امرأة أخرى " ولعله يريد أن يقول في هذا الكلام، انه سيكون بداية لمن سوف يأتي بعده ويكمل رسالته وأنه سوف يبعث في فكر كلِّ ثائر متمرد يقول: " الحق .. الحقّ أقول لكم أن حبة الحنطة التي تقع على الأرض إن لم تمت فإنها تبقى وحدها وإن ماتت أتت بثمر كثير " ألا يريد أن يقول " إنَّك إذا أفنيت نفسك في المجتمع تحولت إلى قوة هائلة تماماً مثل حبة القمح التي تفنى في الأرض لتعود سنابل فيها الحب الكثير .. وما أروع بصيرة جبران التي نفذت إلى المستقبل في الربع الأول من هذا القرن العشرين- فرأت الناس " يتحولون في المدن الكبيرة مع الأيام إلى فاقدي الإرادة ،إنهم يحترقون في أتون الحياة الضاري "، لأنه في المدينة تتباعد قلوب الناس رغم قصر المسافات بينهم ...."
وعندما يتحدث جبران عن اللذة أو ما يمكن أن نسميه السعادة يجدها في أن نعمل ونفتش ونتعب لأننا نجد في ذلك العمل اللذة المنشودة ،ونجد معها سبع شقيقات أحقرهن أوفر جمالاً من اللذة .. أي أن جبران يدعونا إلى العمل والبحث لأنه يشبع فينا الشوق إلى السعادة والطموح إلى المعرفة كما يعلمنا أن السعادة في الحياة قائمة على الأخذ والعطاء ...
ومن الحقول نتعلم أن لذة النحلة قائمة على امتصاص العسل من الزهرة ولكن لذّة الزهرة أيضاً تكون بتقديم عسلها ... والنحلة تعتقد أن الزهرة ينبوع الحياة والزهرة تؤمن أن النحلة رسول المحبة، والزهرة والنحلة كلتاهما تعتقد أن الأخذ والعطاء حاجتان لابدّ منهما في الحياة وسعادة لا غنى للحياة عنهما ..
وهنا نلمس واقعية جبران التي كانت السبب في بقائه حيّاً نابضاً بالجديد، بينما أكل الزمن مُعْظم معاصريه، تلك الواقعية التي ترى أن الحياة عمل دائم نحو التقدم وأن السعادة فيها قائمة على تبادل المنفعة فمثلما تحتاج الحياة للزهرة تحتاج كذلك للنّحلة، وأن عمل الإسكافي الذي يصنع الأحذية لا يقل شأناً عن عمل الفنان الذي ينحتُ الرخام ليجعل منه النماذج الفنّية وأن الريح لا تخاطب السنديانة الجبارة بغير اللهجة التي تخاطب بها أقصر أعشاب الأرض .. هذه حكمة الطبيعة التي هي عند جبران المعلم الأكبر، وتجلت روعة جبران عندما تحدث عن الجمال على أنه شيء نسبي وليس شيئاً مُطلقاً فالجمال عند الحزين رقّة ولطف وعند الغضوب قوّة وبطش وعند الحارس بزوغ الفجر وعند العامل يطل من نوافذ الغروب وهو في ذلك يختلف عن ( نيتشه) الذي يريد في كتابه الآنف الذكر خلق الإنسان المتفوق جباراً كشمشون وشاعراً كداود.وحكيماً كسليمان - الإنسان السوبرمان - فهو بذلك يكلّف الطبيعة ما لا طاقة لها عليه - كما قيل.
وعندما يحدثنا جبران عن العطاء يلمس حقيقةً إنسانية رافقت البشر منذ بداية الحياة يسأل: أليس الخوف من الحاجة هو الحاجة بعينها؟ أليس الظمأ الشديد للماء عندما تكون البئر مليئة هو الظمأ الذي لا يرتوي؟... إنه يرى أن رغبة الكثيرين في الشهرة تضيع الفائدة من عطاياهم ؟ ومن الناس الذي يُعطي كما يُعطي الريحان عبيره في الوادي،وهؤلاء هم الذين يؤمنون بالحياة وسخاء الحياة، وهم الذين لا تفرغ صناديقهم وخزائنهم ملأى دائماً ..
وإذا كنا لا بدّ أن نستخدم في المأكل والمشرب لبن الحيوانات ولحومها فليكن ذلك أكثر نقاوة ونبلاً في الأعماق، وكأنه في كتابه ( النبي) يسأل السؤال الذي طرحه (زوربا اليوناني) وهو يتحدث بعفوية: " قل لي ماذا تفعل بالطعام الذي تأكله أقل لك من أنت ؟
ولا تختلف نظرة جبران إلى العمل عن نظرة أكثر أبناء الإنسانية عطفاً عليها وذلك حين يرى أن الكسول غريب عن فصول الأرض وطبيعة الحياة، فالعمل يجعل الإنسان مزماراً تنطلق منه موسيقى الحياة .. يقول: " العمل .. أقول لكم يفتح قلوبكم بالحقيقة - لمحّبة الحياة لأن من أحب الحياة بالعمل تفتح له الحياة أعماقها وتدنيه من أبعد أسرارها ولا شيء يغسل كآبة الحياة ويطهر النفس سوى السعي .. إن الحياة حالكة سوداء إذا لم ترافقها الحركة، والحركة عمياء إذا لم ترافقها المعرفة والمعرفة عقيمة إذا لم يرافقها العمل وهذا يكون باطلاً إذا لم يقترن بالمحبة .. وحب العمل يعني أن تبني وكأنك أنت الذي سوف تسكن فيما تبني وكذلك حين تنسج، الحب هو أن تودع كل عمل من أعمالك نسمة من روحك وإذا خلا عملك من المحبة فإنه لا يُشبع سوى نصف مجاعة الإنسان ".
وتتجلى واقعية جبران كذلك عندما يرى أن الفرح والحزن لازمان للحياة ،لزوم النور للشمس ،والعطر للورد وأنه لولا تغلغل وحش الحزن في قلوبنا لما تضاعف الفرح في أعماقها " لأن الكأس التي تحفظ خمرتكم هي نفس الكأس التي احترقت في أتون الخزّاف ..".
وحين يتحدث عن البيوت يطلب من الناس أن يخبروه بماذا يحتفظون في بيوتهم هذه؟ هل عندهم الجمال الذي يرقى بالقلب الإنساني ؟ هل عندهم الرفاهية فقط الممزوجة بالطمع؟ الرفاهية التي تدخل البيت ضيفاً ثم لا تلبث أن تصير مُضيفاً فسيّداً عاتياً عنيفاً ؟! ثم تتحول إلى رائض جياد يتقلد السوط بيمينه، والكلاب بيساره متخذاً رغباته المفضّلة ألعوبة يتلهى بها ... وإن كان بنان الرفاهية حريري فإن قلبها حديدي صلب، إن التحرق للرفاهية ينحر أهواء النفس في كيدها فيرديها قتيلة ..
ولا أعرف إن كان غيرُ جبران يستطيع أن يعبّر عما نعانيه اليوم من رفاهية مستوردة نمارسها تقليداً بحيث قضت على ما يمكن أن يكون في دواخلنا من إمكانات قادرة على العطاء والإبداع، لإن هدف الكثيرين منا في حياته أصبح تأمين أكبر قدر من الرفاهية على حساب ذلك الجانب الذي افتقدناه.
ويبدو أن جبران في كتابه ( النبي) يريد أن يقطر حكمة الحياة في سطور قليلة وهذا من طبع الكبار الذين تنفُذ بصيرتهم إلى المستقبل البعيد، حيث تبقى كلماتهم جديدة الطعم تنبض بالحياة، تتحدى طوفان الزمن ،تبقى كلماتهم طازجة وكأن قائلها فرغ لتوّه من كتابتها ... ولقد صدق مًنْ قال: " إذا كنت تخاف أن تفكر فأجدر بك ألاّ تقرأ جبران الذي أثبتت الأيام أنه وإن كان حدثاً في العمر فإنه شيخ في تقطير حكم الحياة في كلمات.
المراجع والمصادر:
1-المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران، قدّم لها وأشرف على تنسيقها ميخائيل نعيمة - مكتبة صادر - بيروت 1955.
2- النبي - ترجمة ميخائيل نعيمة - مطبعة المناهل - بيروت - 1956.
3- ميخائيل نعيمة - جبران خليل جبران: حياته، أدبه، فنه، دار بيروت ودار صادر، الطبعة الأولى، بيروت1934.
4- جبران خليل جبران وآخرون - بلاغة العرب في المهجر، مكتبة صادر، بيروت 1949.
5- " الوحدة " مجلة - العدد الثاني - تشرين الثاني عام 1984 - مقال الدكتور محيي الدين صبحي، تحية للشاعر القروي .
قرأة ممتعة مع أطيب الأمنيات
د: طارق نايف الحجار- حكيم المنتدى
- عدد المساهمات : 511
تاريخ التسجيل : 08/05/2009
رد: جــبـــران مـــن روّاد الـــحـــداثـــة
1. الحرب والأمم الصغيرة
كان في أحد المروج نعجة وحمل يرعيان .
وكان فوقهما في الجو نسر يحوم ناظراً إلى الحمل بعين جائعة يبغي إفتراسه
وبينما هو يهم بالهبوط لإقتناص فريسته ، جاء نسر آخر وبدأ يرفرف فوق النعجه
وصغيرها وفي أعماقه جشع زميله .
فتلاقيا وتقاتلا حتى ملأ صراخهما الوحشي أطراف الفضاء .
فرفعت النعجة نظرها إليهما منذهلة ، والتفتت إلى حملها وقالت :
(( تأمل ياولدي ، ما أغرب قتال هذين الطائرين الكريمين !!
أوليس من العار عليهما أن يتقاتلا ، وهذا الجو الواسع كاف لكليهما
ليعيشا متسالمين ؟؟
ولكن صلّ ياصغيري ، صلّ في قلبك إلى الله ، لكي يرسل سلاماً إلى
أخويك المجنحين ! ))
فصلى الحمل من أعماق قلبه !
________________________
حكيم مشكور على النقل جبران هو روح الأدب العربي والمهجر
لك الود
رامي سمير يقظان- عضو مجلس ادارة
- عدد المساهمات : 100
تاريخ التسجيل : 08/06/2009
العمر : 43
الموقع : المملكة العربية السعودية
رد: جــبـــران مـــن روّاد الـــحـــداثـــة
ان الانسان في حاجة دائماً لمن ينير له دربه...
قد يكون ذلك عبر كلمة قرأها أو بيت من الشعر حُفر في ذاكرته أو خبرة جديدة تضاف إليه عبر
إدراكه لخبرات الآخرين....وأرى أن عرض الموضوع والتعبير عن رأيك في هذا الاديب الكبير
انما يدل على حبك للقراءة والمعرفة...وهذا ليس بجديد عليك يا اخي الغالي....
"لا يدرك أسرار قلوبنا إلا من امتلأت قلوبهم بالأسرار"
فاختيارك جميل و نقلك أجمل...
مع حبي وتقديري...
ابــــــو نـــــدى...
قد يكون ذلك عبر كلمة قرأها أو بيت من الشعر حُفر في ذاكرته أو خبرة جديدة تضاف إليه عبر
إدراكه لخبرات الآخرين....وأرى أن عرض الموضوع والتعبير عن رأيك في هذا الاديب الكبير
انما يدل على حبك للقراءة والمعرفة...وهذا ليس بجديد عليك يا اخي الغالي....
"لا يدرك أسرار قلوبنا إلا من امتلأت قلوبهم بالأسرار"
فاختيارك جميل و نقلك أجمل...
مع حبي وتقديري...
ابــــــو نـــــدى...
بشار نايف الحجار- عدد المساهمات : 171
تاريخ التسجيل : 21/05/2009
العمر : 58
الموقع : في الشرق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى