نعمــــــــــــــــــــــة الجهل

خرجتُ من عنده و كان رأسي على وشك الانفجار .لم أُفلح بإقناعه بأن الشمس ثابتة و الأرض هي التي تدور. فكيف لي أن أقنعه بأمور أكثر تعقيداً ؟!!
ترحمت كثيراً كثيراً على الكبير المتنبي حين قال:
وذو العلم يشقى في النعيم بعقله............... و أخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
كرهت عقلي و ما حصل عليه من معرفة تسببت لي بعض هذا الصداع ، و تهيـأ لي للحظة بأني أشقى الناس بما أمتلك من قدرة على التفكير وبعض قشور المعرفة. كرهت نفسي و حسدتهم كثيراً على جهل منحهم سعادة وحرمني إياها .
بقي حالي على هذا الوضع من العذاب إلى أن تذكرت أحدهم و ما أكتنزه علقه من علم و معرفة ، فابتسمت و حسدتُ نفسي على جهلي . قدرت كم يتعذب ذلك الرجل بعلمه و كم يشقى بمحاولة نقل ما حصل عليه من معرفة لعالم يكثر فيه الجهلة . و لأن الغلبة للكثرة من حيث الكم و العدد فكم سيشقى الأستاذ المسكين. فعلى سبيل المثال الأستاذ خبير بعلم التوحيد ، والأخطاء- بتطبيق و فهم علم التوحيد هذا- بالجملة فكم يكون عذابه وحزنه كبيرين بين ما يرى وما يعرف من الحقيقة؟. وكم أنا سعيد من حيث لا أدري بجهلي!


ومن جهة أخرى أشد ما يؤلمني هم اولئك الذين أعطوا عقولهم لغيرهم. ليفكروا بالنيابة عنهم و بالفعل فكروا وقرروا ، و الجهلة أخذوا النتيجة دون أي تفكير بالتفكير بمدى صحة ما زرعوا لهم بعقولهم.لا وبل راحوا يناقشون ويدافعون عن أفكارٍ زُرعت فيهم زرعاً. أفكار لم تنبت بعقولهم و لم تأخذ دورتها الطبيعية من حيث النمو و النضوج.
ولأنه لا يوجد جاهل بالمطلق ،بل رافض للتعلم، ولأنهم قالوا عن الإنسان فقط جاهلا، فقد وقفت محتاراً ما بين الشفقة و الحسد.
وقالوا أيضاً أن هناك جاهل يكون جهله جهلين، أي هو الجاهل الذي يجادل و يجهل أنه جاهل ويرى بنفسه عالماً - ولا أدري لماذا ُيلح بشدة - على ذاكرتي هنا - المثل القديم القائل ( السرج المُذهب لا يجعل من الحمار حصاناً )- بعكس الجاهل البسيط من أمثالي الذي لا يجادل بأمر يجهله، ولكن يبقى له كل الحق بالسؤال و التساؤل.
والسؤال هل يستطيع صاحب المعرفة و العلم أن يحُّد من تفكيره و يرضى بما هو واقع و ينسى ما حصل عليه من معرفة ، لكي يعيش ببعض سعادة الجهلة.؟ بل هل يستطيع تطبيق ما قاله الحكيم المتنبي ( ربما )أيضاً:
"حيثما تكون الجهالة نعيماً................. فمن الحماقة أن تكون حكيما "
لا أدري ما الذي أصاب هذا الكون يا ألهي ؟!!!!!!
ذاكرتي الحزينة هذه لم يغب عنها أشخاص أغبياء كانوا سببا بكرهي لعلمي و معرفتي ببعض القشور. أشفقت عليهم و حسدتهم لا بل تمنيت لو كان بالإمكان تبديل رأسي برأس أحدهم.
وبقي في رأسي كلمة أريد قولها لأمثالي من المدعين للمعرفة وهي تحت عبارة " وجهة نظر " الذين يشّوهون الحقائق الثابتة والتي يفهمون نصفها و يخرجون بهذا الفهم المنقوص للناس ينظرون عليهم . صحيح أنهم يعلمون أشياء جميلة ورائعة ولكن عليهم التمهل قليلاً بالحكم على الأشياء بشكل نهائي.
وتحت هذه التسميات المتعددة للعلم والجهل و قبول وجهة نظر أحيانا تضيع أو تبهت الحقائق الثابتة.
ولهذا رضيت بجهلي كما هو ولكني ربما أختلف عن الأخرين حين أعانته على الملأ دون خوف أو تردد علني أكون بهذا قد خطوت الخطوة الأولى على طريق التعلم.