مازالت الذكرى قريبة

كنت أجلس قربك على سرير الموت

أسامرك وأكلمك الكلمات الأخيرة

أناشدك في قلبي عدم الرحيل

وبلساني أكلمك عن المستقبل

أطعمتك بيدي أخر الوجبات

وأشربتك أخر كوب عصير

سألتني حلاقة ذقنك لتستعد للوداع

وعدتك في الغد الصباح

سألت أن أبقى للمبيت والبقاء أكثر

سألتني الرحيل ليكون الوداع أبكر

تخليت عنك في أخر الساعات لأبكيك أكثر

كنت أعلم بالرحيل وأخاف الموعد الحقير

ساعة الذهاب زففت لي الخبر الأخير

جوال يدق قدوم الموت والرحيل

السادسة والعشرون دقيقة

جوال يصفر يعلن انتهاء الموعد

سألتني القدوم وشكوت الألم بحروف

أبي أنا تعب تعال عندي

لماذا لم تنتظرني فقد حضرت

لماذا خرجت مسرعا فقد حضرت

حضرت لأجد سريرا فارغا بغرفة فارغة

حضرت لأكون أول من يودعك وأنت ترحل

سألت الجيران والرجال أين أبي سقيم الحال

قالوا ذهب مع طبيب لغرفة الخلاص

غرفة الإنعاش كانت قريبة ولكني وصلت

متأخرا

تم طردي من هناك

كانوا مجتمعين فوقك عدة من رجال

كانوا يمارسون طقوس الإنقاذ

رجل يضرب القلب بيديه وأخر بنفخ الهواء

رجل يحاول جعلك القيام بأسلاك وكهرباء

كنت أرى المنظر من نافذة غرفة الخلاص

انتظرت طويلا علني أعود وأراك

خروجي يجرون ذيول الهزيمة معهم

خرجوا والموت منتصر على عزيمتهم

خرجوا والوجوه تراقب الأحذية

شدوا على يدي وسألوني طلب الرحمة

العمر لك

رحمه الله

أي عمر بقي لي من بعده

العمر لي قدمه بيديه وهو معي

لم يتركني يوم لم يقدم فيه عمره

دخلت حجرة العقاب بقدمي

دخلت المخرج الأخير لروحه

قبلت يديه وقبلت وجنتيه والجبين

بكيت وبكيت وطلبت منه العودة

كيف العودة وهذا هو الرحيل الطويل

ضممته وقبلت كل ما فيه

تمنيت أن يكون ما زال قريبا عله يعود

ناجيته ألن تعود وعلمت الجواب لن أعود

ناجيت ربي ألا أرحمه ربي فقد كان نعم الأب

ألا أرحمه فقد كان دائم الحب

ألا أرحمه وعاقبني عنه أن كنت ستعاقبه

ورحل الغالي الحبيب

وبدأت مراسم الدفن وإتلاف الجسد

جاءنا الكثير وودعوه

جاءنا الكثير ممن عرفوه ومن لم يعرفوه

وبكته نساءنا ورجالنا وبثوه السلام

حملوه دموع كثيرة عند الوداع

وجاءت لحظة منه خلقتم واليه ترجعون

بكفي حملته ونفذت إليه ترجعون


بيدي أنزلته المرقد الأخير

وجعلت وسادته التراب
وأطعمته التراب

وعانقته للتراب

قبلته القبلة الأخيرة بلباسه الأبيض

وخرجت بعيون غريقة بدمع الوداع


وداعا أبي



الذكرى لا تفارقني ما زلت أبكي