هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الرحيل.. هذا الموت الصغير

اذهب الى الأسفل

الرحيل.. هذا الموت الصغير Empty الرحيل.. هذا الموت الصغير

مُساهمة من طرف حيان الإثنين فبراير 15, 2010 7:10 pm

«شيء وحيد ومؤكد: المرء لا يعود أبداً. المرء يرحل فقط». بهذه العبارة، البديلة عن الخاتمة، ينهي ليون غرينبرغ وربيكا غرينبرغ كتابهما الجميل «التحليل النفسي للمهجر والمنفى» الذي ترجمته تحرير السماوي بمقدمة للشاعر العراقي عواد ناصر وصدر أخيراً عن دار «المدى».

ورغم ان المنفى أو المهجر، هو أكبر حادثة إنسانية في القرن العشرين، إلى جانب الحروب والإبادات الجماعية، إلا انه موغل في التاريخ منذ هجرة النبي إبراهيم الذي أرغم على ترك مدينته أور مع قبيلته وقطيعه، بحثاً عن الأرض الموعودة، إلى هجرة شعوب بكاملها نتيجة عوامل تاريخية، كهجرة القبائل في اوروبا ومركز آسيا باتجاه الغرب ابان سقوط الامبراطورية الرومانية، والهجرة الاوروبية باتجاه الاميركتين الشمالية والجنوبية ودول المحيط، إذ هاجر أكثر من ستين مليون اوروبي إلى قارات أخرى، نتيجة الفقر والحروب والأوبئة.

ولا يزال الباحثون عن الأرض الموعودة يشكلون النسبة الأكبر من مهاجري القرن العشرين الذين سماهم الكتاب بـ «أشقاء الزورق الواحد»، يليهم أبناء الأوطان المفقودة الذين شردهم الطغاة والقمع، أي المنفيون، ثم الذين هم ضحايا الحروب أو المجاعة.

وفي كل الحالات، تبقى الهجرة، الاختيارية والإجبارية، صدمة عنيفة، أو جرحاً نازفاً كما يدل أصلها اللغوي المشتق من الأغريقية Terminus H أو Trauma أو «عصاب الصدمة» بلغة التحليل النفسي. فالمهاجر والمنفي يعانيان بالقدر نفسه من أعراض الخوف، كالأرق والكوابيس. وهي تكاد تكون متشابهة. فقد كان كابوس واحد تقريباً يطارد أغلب المنفيين العراقيين في مناماتهم في زمن صدام حسين: العودة إلى العراق، بشكل سري، ثم استحالة الخروج منه، أو العودة إلى العراق وعقد صداقة ظاهرية مع صدام حسين - الحلم لا تحده حدود اليقظة - بهدف قتله والتخلص منه للأبد، فهي الطريقة الوحيدة التي تؤمن العودة. لكن عملية القتل هذه لم تتم قط في أي حلم عراقي، فقد كانت عصية جداً، كما في الواقع تماما.

لكن هناك اختلافات نسبية بين مخاوف المنفي والمهاجر، على المستوى النفسي، فالأول يعذبه الحنين إلى الوطن المفقود، والثاني يعذبه الشعور بالذنب. وفي كلتا الحالتين، تبقى الأعين مشدودة إلى الخلف، دون أن ترى المكان الجديد، بكل تعرجاته، وطرقه، وألوانه، وناسه المختلفين.

ولهذا يبقى المهجر مجرد مكان آخر، وليس مكاناً جديداً يريد المسافر إليه أن يتعرف على أسراره الخفية، ويشم روائحه، ويرود مسالكه الخلفية. إنه مجرد غرفة مؤجرة سرعان ما يغادرها شاغلها بمجرد انتهاء مهمته، لكن المهمة لم تنته. وللاحتيال على ذلك، لم يعد أمامهم، وأمام أي منفي أو مهاجر، سوى اللجوء إلى لعبة الإحلال، التي يجيدها كل المنفيين، من أجل إدامة الحياة في المنفى الذي أصبح الآن مهنة شاقة حقاً، وإلى لعبة الاستعارة من الماضي الذي أصبح الآن بعيداً جداً. المنفي لا يستعير أساطير الوطن الاولى فقط، بل سيضيف إليها أساطير جديدة يخلقها الخيال، الذي زاده المنفى جموحاً مرضياً، كل يوم. ان كل ما كان يعافه المنفي في الوطن، يكتسب جمالية وهمية تغطي الجمال الاخر الموجود أمام عينيه. لكنه لا يراه.. لا يستطيع أن يراه، بل لا يسمح أن تتغلغل مفرداته إلى روحه، ففي ذلك شيء من الخيانة!.

فالوطن يصبح في المنفى، حقاً أو وهماً، هو الحلم/ اليوتوبيا حسب لعبة الإحلال، على طريقة ناظم حكمت: وضعوا الشاعر في الجنة فصاح: آه يا وطني ومات. وكأنه ليس الوطن نفسه الذي كنا نشكو منه ليل نهار حين كنا في أحضانه!.

ولكن لماذا لا يعود الإنسان قط؟

العودة، بعد سنوات في المنفى أو المهجر، هي هجرة جديدة. وقرار العودة مؤلم بقدر قرار الرحيل.

فالوطن «المستعاد» سرعان ما يتكشف أنه ليس ذلك «الوطن/ الحلم»، كما كان في المنفى، بل الوطن الواقعي إلى درجة الجرح، و«إن الناس الأحباء لم يكونوا يغطون في سبات طويل - كما في حكاية الأميرة النائمة - بانتظار الأمير ليوقظهم. لقد تغير كل شيء: البشر والأشياء والشوارع والعلاقات والعادات، حتى اللهجة اليومية الدارجة لم تعد تلك اللهجة التي كان يعرفها، فقد اكتسبت مفردات ومصطلحات جديدة بفعل التغيرات الاجتماعية والسياسية». «كل شيء يجب أن يبنى من جديد كمنزل هدته العواصف، لا بد من إعادة بناء خرابه.. ولكن المنزل لن يعود كما كان في الماضي، سيصبح منزلاً مختلفاً، وسيعمه واقع آخر ورغبات أخرى، وستنجم عنه أحزان جديدة..»

وأكثر من هذا، وربما هو الفصل الأكثر إيلاما، هو الشعور الذي يتولد عند بعض الباقين في الوطن بأن المهاجر خانهم، أو تخلى عنهم في أفضل الأحوال، فتكون ردود أفعالهم مفعمة باللوم والغضب والسخط على هذا المهاجر المتهور، عديم المسؤولية تجاه الذين قاسمهم التجارب والحياة.

وقد يحدث العكس أحياناً، فيحملون أنفسهم مسؤولية فقدان الراحل، الذي يعاني بدوره من شعور خفي أو ظاهر بالذنب تجاه كل ما خلفه وراءه.

وهكذا يبقى الرحيل، بالنسبة للطرفين نوعاً من الموت، أو «قليلاً من الموت».


منقول من: لندن: فاضل السلطاني
حيان
حيان

عدد المساهمات : 204
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
العمر : 44
الموقع : facebook

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرحيل.. هذا الموت الصغير Empty رد: الرحيل.. هذا الموت الصغير

مُساهمة من طرف حيان الإثنين فبراير 15, 2010 7:20 pm

ويرى المؤلفان أن ليس كل فرد قادرا على الهجرة والتوافق مع ضغوطها ، الذين يهاجرون يكون لديهم نمط شخصية خاص بهم فيه استعداد خاص للهجرة .

شخصية اصطلحوا عليها بأنها الشخصية " ذات الطابع التمهيدي للهجرة " حيث يرى بعض الباحثين أن الميل للهجرة يكون أكبر لدى أشباه الفصاميين لأنهم لا يستطيعون خلق الإحساس بالتجذر في مكان واحد ، وكذلك العصابيين ( وضعت المترجمة لفظة paranoiden كمقابل للعصابيين وهذا خطأ لأن معنىاها الهذائيون ) والشخصيات التي لا تعرف الأمن والاستقرار ، بحكم الخوف الدائم ، يبحثون عن أماكن تتوفر فيها تلك الشروط .

ويرى البعض الآخر أن الهجرة تدل على قوة الأنا ونضج الشخصية .

ويستعرض الباحثان ردود فعل الباقين في الوطن وإسقاطاتهم النفسية على المهاجر التي قد تجعله كبش فداء ، وقد تصل اتهاماتهم له إلى حد التخوين ، واستجابات المستقبلين الذي قد يرونه دخيلا أو متطفلا أو منافسا في أحسن الأحوال ، ثم يلاحقان تطور عملية الهجرة من الاندماج في المحيط والمخاوف التي ترافقه ( الخوف من الالتهام ) ، المهاجر وتعلم اللغة الجديدة التي تعتبر من أهم الإشكالات التي تواجهه ، فالعالم ( آنزيو ) تحدث عن " غلاف صوتي " يحيط بالطفل منذ بداية عمره .
ويتعرف الطفل منذ أسابيعه الأولى على صوت الأم الذي هو كالحليب يتغذى عليه سمعه ، وليس اعتباطا أن تكتسب أغاني المهد تلك الأهمية الكبيرة في تراث كل الحضارات .
ويمكن القول أن الهجرة تمزق هذا الغلاف الصوتي بل تستبيحه ، ثم الهجرة والسن حيث تكون ضغوط الهجرة على الأطفال أشد مما هو على الكبار ، فهم يشعرون بالظلم ولا يشاركون في اتخاذ القرار عادة ، والهجرة والهوية وكيف يكافح المهاجر للحفاظ عليها تحت ضغوط هائلة تستهدف تغييرها .

ويؤكد المؤلفان على أن المتاعب النفسية للمهاجر تكون أقل وطأة عليه عندما يشعر بأن هناك أملا في العودة ، لكنها تتضاعف وقد يصاب المهاجر بالأمراض النفسية كالكآبة والذهان وغيرها عندما يشعر أن العودة مستحيلة ، وهذا ما يحصل عادة لدى المنفيين أكثر من المهاجرين ، ولدى المهاجرين إجباريا أكثر من المهاجرين طوعيا .
ومن المهم الإشارة إلى أنه ليس شرطا أن الهجرة أو المنفى تعني تحطم الشخص نفسيا على صخرتها ، فيمكن للمهاجر أو المنفي أن يحول هذه التجربة الصادمة إلى تجربة خلاقة أو فرصة لتحقيق " ولادة جديدة " كما أسماها الباحثان والتي تساهم في تطوير قدراته الإبداعية الخلاقة .
وقد ختم المؤلفان كتابهما المهم هذا بشهادات لبعض المنفيين من رموز المعرفة والإبداع مثل رسالة ( سجموند فرويد ) الأولى من منفاه اللندني ومقطع من رسالة ( توماس مان ) إلى ( هيرمان هيسه ) وغيرهما .
ملاحظة على الترجمة :
كانت لغة الترجمة بسيطة ومعبرة ، ولكن المترجمة ( تحرير السماوي ) وقعت في أخطاء كثيرة سببها عدم إلمامها بمصطلحات علم النفس عموما والتحليل النفسي خصوصا والأخير مصطلحاته معقدة وذات صبغة فلسفية وتجريدية .
فليس من المعقول ، مثلا ، أن تترجم مصطلح الـ superegoوقد ترسخ معناه كائنا أعلى منذ قرن إلى ( ما فوق الأنا ) ، وهل هناك داع لاستعمال مفردة الميكانيزمات - بالإنكليزية - الدفاعية ونحن نستخدم منذ عقود لفظة الآليات أو الأواليات الدفاعية .
وتكرّر المترجمة في عشرات المواضع مفردة ( أدوات ) وأعتقد أنها ترجمة لمصطلح ( object ) وهو من المفاهيم المركزية في التحليل النفسي ومعناها شديد الاختلاف.



عرض : الدكتور حسين سرمك حسن
حيان
حيان

عدد المساهمات : 204
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
العمر : 44
الموقع : facebook

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرحيل.. هذا الموت الصغير Empty رد: الرحيل.. هذا الموت الصغير

مُساهمة من طرف حيان الإثنين فبراير 15, 2010 7:26 pm

بينما ضم كتاب "التحليل النفسي للمهجر والمنفى" أكثر من خمسة وعشرين عنواناً تناولت الهجرة كصدمة وكأزمة، والهجرة كحالة تأزمية، وتحليل ما قبل الهجرة، وتطور عملية الهجرة، والمهجر واللغة، والهجرة والسن، والهجرة والهوية، والتطور النفسي للفرد ضمن تجربة الهجرة، والمنفيون وشهاداتهم وعن تجربتها الخاصة في المنفى حيث عاشت أكثر من ربع قرن قاسية ترى الكاتبة تحرير السماوي ان حالة المنفى،
هي شيء من الغيبوبة او انقطاع في الوعي تنفصل معه الأشياء الحياتية عن تجربة، وماضٍ، وعادات، وتاريخ.. الخ.
اذ ان حياتنا في المنفى، هي حياة جديدة لا نقدر على اقتحامها كما يراد لنا أو كما اعتدنا أن نقتحم الحياة التي نعرف، ولا نقدر على العودة إلى حياتنا التي عرفناها في الماضي.
منتصف طريق، مفترق طرق، وقوف أمام اتجاهات متنافرة. لا عودة ولا مضي.. حالة جمود نفسية وبالتالي فكرية ووجودية.
والمنفى لديها "حالة دفاع عن النفس المتبقية، وما الولوج في المجتمع الجديد الإ حالة دفاع عن وجود وحماية ماضٍ ترك اضطراراً.
انشطار جليّ في النفس والذهن والحياة.. شرح في الشيء وعلى الشيء نفسه. وما دام الانقطاع هو انقطاع عن الماضي والحاضر، فنحن شئنا أم أبينا مغيبين عن الحياة، الواقع، التعصب اليومي.. والمستقبل طفل نجهله يعيش بيننا ولا نراه".
فنحن في المنفى "نعيش حالة من التغييب، التهميش، حالة طوارئ أعلنتها الحياة علينا. وكل من يرى العكس ويداهم مجتمعاً جديداً بأحلام كبيرة لا يعرف نفسه. ولا يعرف أن تلك النفس تبحث عن مستقر متحذر وليس عن مستقر طائف بين الأرض والسماء.

نحن الجيل المرفوض في أرضه وأراضي الدنيا. المجتمعات لا تتبنى إلا أبناؤها، ونحن جيل اليتم. فماذا تبقى لنا الذين نهيم على وجوهنا في أراضي الدنيا بحثاً عن أمان وخفقة حنين؟
"قليل من كل شيء... نستمع إلى أغانينا ونطهو طعامنا ونتناقل بعض الأخبار ونكتب عن مأساتنا اليومية... ونقتل ما تبقى من حياة باحتساء الخمر والتفكر بماض لم يعد موجوداً.
ما هو آت "مجهول"، حاضرنا مجهول. الماضي هو الإشراقة الوحيدة المتبقية في منفانا".
اعداد د. حسين الهنداوي
حيان
حيان

عدد المساهمات : 204
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
العمر : 44
الموقع : facebook

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرحيل.. هذا الموت الصغير Empty رد: الرحيل.. هذا الموت الصغير

مُساهمة من طرف حيان الإثنين فبراير 15, 2010 7:40 pm

التحليل النفسي للمهجر والمنفى

تأليف: ليون غرينبرغ، ربيكا غرينبيرغ

ترجمة، تحقيق: تحرير السماوي


يبتكر غرينبرغ تعبيراً عميقاً عندما يطلق على المهاجرين والمنفيين والمغتربين تعبير "أشقاء الزورق الواحد" هؤلاء الذين يجمعهم الزورق وقد تفرقهم المصائر.
إنه كتاب المرايا: مرايا يضعها الباحث أمام وجوهنا القلقة وأرواحنا اللائبة ونحن نبحث عن زاوية أمينة تؤمن الحد الأدنى للبشر الهاربين من ممرات النيران والحروب والأقبية المظلمة. إنه كتاب المرايا لأنه يوضح لنا كيف ينظر المواطنون (جماعة الداخل ) إلى المنفيين (جماعة الخارج) وكيف يطلقون بشأنهم شتى النعوت والتهم والارتيابات: إنهم خونة وناكرون للجميل ومتهورون!

·الناشر: دار المدى للطباعة والنشر والتوزيع-
توفيت فجر الاحد 18/1/2009 في مستشفى ايلنغ بلندن الكاتبة والفنانة العراقية تحرير السماوي بعد معاناة مع مرض سرطان داهمها وهي في ذروة عطائها الابداعي. وكانت الاديبة الراحلة، وابنة الشاعر العراقي المعروف كاظم السماوي احتفلت بعيد ميلادها السادس والخمسين
حيان
حيان

عدد المساهمات : 204
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
العمر : 44
الموقع : facebook

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى